الإملاءات التركية في مقابل توافق قائد قسد مع إدارة تحرير الشام.. سيناريوهات المستقبل

انفراجه جديدة شهدتها القضية الكردية في سوريا عقب لقاء جمع أبو محمد الجولاني بوفد من قوات سوريا الديموقراطية، وصفه مراقبون باللقاء الإيجابي تمهيدا لعقد لقاءات تفاوضية أخرى في إطار جهود حل القضية.

في المقابل تواصل تركيا حربها ضد الكرد وتباشر سياسة التحريض في الداخل السوري، ومن ثم باتت إدارة تحرير الشام في مواجهة الضغوط الدولية الساعية الحل القضية والضغوط الأردوغانية الهادفة لانفراد فصيل واحد بالعملية السياسية وممارسة سياسة الإقصاء كنموذج لما يجري ضد الكرد في تركيا، وذلك ضمن مخطط كبير تسعى أنقرة إلى تنفيذه يتضمن السيطرة على الثروات التعدينية والنفطية في سوريا وتحويل الأخيرة إلى ساحة خلفية تابعة غير مستقلة القرار.

مبادرات كردية

منذ خروج بشار الأسد من سوريا بدأت قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، تتصدر المشهد من خلال سلسلة من الخطوات لإثبات حسن نواياهم ونفي فكرة الانفصال، في مقابل استمرار نهج الإبادة التركي الذي تجلي في أكثر من تصريح لأردوغان، أكد خلاله نيته لمحو قوات سوريا الديمقراطية وتصفيتهم وعدم القبول بأي دور لهم في سوريا الجديدة، وهو ما لاقى اعتراضا من قبل القوى الدولية التي ترى في قوات سوريا الديموقراطية ذراعا سورية قوية أسهمت في دحر تنظيم داعش ولازالت تتصدى لعملياته العسكرية على الأراضي السورية.

الدكتور غازي فيصل مدير مركز العراق للدراسات والأبحاث أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «التغير السياسي في سوريا لازال يلقي بظلاله على الأوضاع في المنطقة برمتها، لأن هناك نحو 9 ملايين مهجر والبلد يحتاج إلى 140 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو ما دفع المجتمع الدولي والعربي إلى التدخل في محاولة لحماية الدولة من الاختراقات الأمنية وعودة ظهور داعش، وذلك من خلال التشديد على إطلاق عملية سياسية شاملة».  

العملية السياسية

وشدّد على ضرورة بذل الجهود الدبلوماسية لدعم خيار الشعب السوري في الديمقراطية والاستفتاء على دستور يضمن إدارة التنوع الاجتماعي لبناء سورية ليبرالية تعددية كما كانت قبل عام ١٩٥٨، وعدم السماح للفصائل المسلحة بإطلاق التهديدات بالتدخل العسكري في الشؤون الداخلية، كما أن الشعب السوري سيواجه تحديات اقتصادية واجتماعية لترسيخ دعائم النظام السياسي الجديد ومرحلة انتقالية من النظام الشمولي الى النظام الديمقراطي وبما يقترب من التحديات التي تعرض لها الشعب الروسي للانتقال من النظام السوفيتي الاستبدادي الى نظام تعددي واقتصاد السوق المفتوح والحريات.

يأتي هذا وسط زيارات سياسات دبلوماسية متبادلة بين إدارة تحرير الشام والدول الأوروبية والأمم المتحدة لخلق حل طبيعي للأزمة، فما تعيشه دمشق حاليا هو فترة انتقالية تواجه تحديات كبيرة تتشابه مع ما واجهه النموذج السوفيتي إبان تفككه وهناك محاولات للانتقال من دولة شمولية إلى تعددية منفتحة على الحريات من خلال صياغة الدستور وإذا كانت القيادة حكيمة ستنجح المرحلة الانتقالية التي توصف بأنها ليست مرحلة شرعية دستورية وإنما هي إدارة مؤقتة تسعى إلى إقرار الشرعية عبر الدستور والانتخابات.

وفيما يخص التفاهمات بين قوات سوريا الديمقراطية وإدارة تحرير الشام وموقف تركيا، يبقى العامل المهم في تحديد السياسات المستقبلية للأطراف الثلاثة في يد أمريكا التي تسعى إلى خلق دولة تعددية تضمن السلم الأهلي الداخلي، إلى جانب حل مشكلة قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل مشكلة سورية بامتياز بعيدا عن التدخل التركي، وبإمكان إدارة تحرير الشام حل تلك الأزمة المزمنة بالتنسيق مع قيادات قوات سوريا الديمقراطية والجلوس على طاولة مفاوضات والوصول إلى تفاهمات ومساحات مشتركة تضمن حقوق القوميات السياسية واللغوية والشراكة لمختلف المذاهب والأديان خاصة وأن الخطاب الأخير المعلن من قبل إدارة تحرير الشام يصنف بأنه إيجابي وينتظر التطبيق والتفاعل بين القيادة وقيادات قوات سوريا الديمقراطية والشعب الكردي.

تباينات إقليمية ودولية

عبدالرحمن ربوع الكاتب والمحلل السياسي السوري قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «تركيا لها أطماع  شمال وشرق سوريا، ورغم إعلان قوات التحالف الدولي شرق الفرات خط أحمر إلا أن تركيا نجحت من خلال المساومات في الدخول لتلك المنطقة طمعا في ثرواتها»، لافتا إلى أن قوات سوريا الديموقراطية كان لها دورا كبيرا في التصدي لتنظيم داعش وحماية الحدود السورية وهو ما تحاول تركيا كسره من خلال القضاء على تلك القوات وخلق حاجز بشري عربي تركماني على الحدود السورية التركية، إلا أن الضغوط الأمريكية دائما ما كانت تحول دون تنفيذ المخططات التركية، وحول الولاية الجديدة لترامب بعد سنوات من الخلاف التركي مع إدارة بايدن، أكد الربوع حالة التوافق والانسجام بين الإدارة الأمريكية المنتخبة وأردوغان الذي قد يأتي على حساب القضية الكردية ومصير الشعب السوري بأكمله وهو ما يتطلب مقاومة شعبية في شمال وشرق سوريا وفي أغلب أنحاء البلاد لفرض الرؤية الوطنية على الاستراتيجيات الإقليمية والدولية.